tadwina-18873864-tadwina

tadwina-18873864-tadwina

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 24 يونيو 2010

مصر من فوق .. ومن تحت

مصر من فوق .. ومن تحت
كنت أجلس مسترخيا أشاهد أحد الأفلام وإذ ببطل الفيلم ينطق تلك العباره ( مصر من فوق مش زي مصر من تحت ) كان هذا منذ زمن ، وقد كان لسفري الدائم أبلغ الأثر في إني لم أعي حقيقه ما سمعت لكني حين أعطيت لنفسي فسحه من الوقت وفرصه كي أحتضن مصر وأشعر بدفئها عرفت الكثير وتعلمت الكثير وفهمت أخيرا ،
مصر من فوق ليست هي مصر من تحت وهذا ينطبق علي المعني الحرفي والمعني المجازي ، فمصر من فوق من أعلي عمائر البلد هي مصر العراقه والحضاره والنيل الهاديء والبراح والنسمه النقيه والهدوء ، مصر الغنيه والفتيه ، مصر المعز ، مصر الحلم طائر الرخ العظيم الذي يبهرك وهو فارد جناحاه وناظرا بكبرياء إليك ، لا تستطيع إلا أن تقع في عشقها ولو كنت من بلاد الواق واق ، ولو لم تفهم لغتها أو تتعلم العيش فيها ، توقعك في غرامها من النظرة الأولي وتجعلك تسهر الليل بإنتظار فجر يلقيك بين ضفاف شوارعها لتستكشف بنفسك دهشة هذا الجمال المستوطن فيها ، والذي يسحرك لدرجة ويلقي بك عبر التاريخ كلما تجولت في أركانها ، ويبحر بك عبر عصور ما كنت لتراها أو تستشعر وجودها لو لم تدور في أحياء القاهره ( التي هي تلخيص لمصر قاطبة ) والتي يطلق عليها مجازا مصر ، والقاهره هي مدينه أحفوريه بمعني إنك لتستكشفها وتعرفها جيدا يجب أن تغوص في بحور تاريخها وتثبر أغوار طبقاتها فهو أحفوريه بمعني إنها طبقات من التاريخ والحكايا لا تصل إلي طبقه إلا بعد أن تكون قد سبحت في الطبقه التي قبلها وعرفت تفاصيل توصلك إلي ما بعد تلك الطبقه بتاريخها ومفراداتها التي تدهشك وتلقي بك في غياهب سحيقه كلما حاولت فك طلاسمها ، وهي علي جمالها ليلا ومن فوق صاخبه نهارا متعبه ومزعجه ، كأنما هي شخصيتان مختلفتان تماما سيده أرستقراطيه أنيقه ليلا خاصة أذا كنت تراقبها من فوق ، وأمرأه غاضبه قبيحه وصاخبه نهارا خاصة إذا رأيتها من خلال منظر مقرب واختلطت بأرتال البشر التائهين في شوارعها والباحثين عن فتات الخبز في أركانها الفسيحه والتي تضيق بهم من كثرتهم ،
مصر من فوق هي مجتمع الواحد في المائه بقصورها علي النيل وفيلاتها الشامخه الثريه وناسها المختلفون في كل شيء والمتفقون فقط في كونهم صفوة أغنياء مصر ورواد الليل وعشاقه فصفقاتهم لا تتم إلا في عتمة الليل ، وتقاسم غنائم مصر لا يكون إلا في ظلمة تحفظ للأمور سريتها خاصة حينما تتم في مصر الأبراج والفنادق الشاهقه ، ومصر من تحت هي مجتمع التسع وتسعين الباقيه ، هي مصر البحث عن لقمة العيش ومصر الفاقه والعوز مصر الكفاح من أجل أستمرار النبض في العروق وفقط ، مصر العرق والجهد ، مصر اللهاث ، مصر الرشاوي والدروس الخصوصيه ، بأختصار مصر الألم،
ولأننا من أصل فرعوني فنحن نميل للشكل الهرمي لكنه هنا هرم واطي ذو قاعده كبيره جدا ورأس واحد ينتمي إليه نسبه ضئيله هي من تملك جل ثروات مصر ، وتتحكم في مصائر شعب بكامله ، من يتمتعون بممارسة نخاسة العصر الحديث ، من يحددون سعر الأنسان وكم لقمة يستحقها كي يحافظوا عليه كسلعه تعود عليهم بالربح ، لا لكي يشبع او ينعم ، وهم يعتنقون فلسفه مفادها أن أي أنسان يشبع سيبدأ في التفكير وهذه آفة يخشون ان تصيب أي كان فيهلك ويهلكون معه ،
مصر اللي فوق تختلف كليا عن مصر اللي تحت ، في الشكل والمعني ، لكن لماذا ومتي حدث هذا ؟ سؤال خطير وددت لو لم أجد له إجابه لعلي كنت استرحت ، لكن للأسف للأني اعملت عقلي الذي أريد له دوما من قبل سادتنا أن يتعطل فقد توصلت لبعض الأجوبه عن أسئلة مكان يجب أن تطرح أصلا بأمر سدنة النظام وأعمدته ، لأن طرح الأسئله هو بداية الصحوه ، والأجابة عنها سيكشف الكثير من المستور الذي حرص سادتنا علي إخفائه وطمره مع عقولنا التي ظلوا يكررون علينا أن هلاكنا سيبدأ مع أستعمالها ،
ولعل أخطر ما توصلت إليه هو هل كانت مصر هكذا دائما ؟ لا لم تكن مصر حين تنظر لتاريخها وبرغم أن حالتها الأقتصاديه لم تتغير كثيرا علي مر المائة سنة الأخيره إلا إنها كانت أفضل وأنظف وأجمل فيما سبق ، وانا لا أتفق مع من يرجعون ما حدث للزيادة السكانيه فهذ ا أمر طبيعي ولسنا بأكثر تعداد من الصين ولا نستطيع أن نقارن الزحام ونصيب الفرد من المساحه ببلد مثل اليابان مثلا ، أذن لماذا حدث هذا في مصر ؟ ببساطه لأننا غفونا وركنا إلي الراحه لم نحلم أن نكون أمة عظيمه ، ولم يوجد من يضع نواة لمشروع قومي نلتف حوله ولم يفكر أي قائد في مصر ككيان يجب علينا تطويره والحفاظ علي ثوابته ، بل إن الجميع فكر بطريقة قاصره اما عن عمد او عن جهل فلم يكن أي زعيم قاد مصر خلال الخمسين سنه الماضيه مؤهل لقيادة بلد عظيمه بحجم مصر ،
وانا لست ناصريا أو سادتيا ولا أخاف من مبارك وزبانيته بل أنا مصري يحب هذا الوطن ، ولا أشكك في وطنية الأول والثاني ، لكني علي يقين من أن الظروف التي وضعتهم في طريق سدة الحكم هي ظروف عابره ولو صدقوا مع أنفسهم كان حريا بهم أن يسلموا الرايه لمن يستطيع أن ينهض بهذا الوطن ويستطيع بفكره أن يوجد منظومه نجاح نهضويه تسهم في إحداث نهضه شاملة تغير وجه مصر وتضعها في المكانه التي تستحق كدولة لها تاريخ وبها من الكفاءات الكثير ومن العقول من ينتظر الفرصه كي يعطي ويسهم في إحداث تلك النهضه ، وكان من نتاج إندفاع كل من تولي قيادة هذا الوطن وراء مزاعم جوقة المستفيدين أن تلاطمت المصالح كما تتلاطم الامواج وعجز الربان عن قيادة السفينه ، خاصة وأن الكل كان يطمح إلي نيل النصيب الاكبر من الغنائم ، ونجح أباطرة الإنفتاح ومن قبلهم مراكز القوي ، وسماسرة بورصة البشر من بعدهم في تغيير وجه مصر الجميل ، وتشويهه والقضاء علي كل قيمة وفضيلة ، بل وتمادوا بغيهم في تحويل بقايا النفس المصريه الأصيله بكل ما تحمله من شهامة وعزيمه وجلد ، إلي نفس اعتماديه متواكله وأجيال متنافسة في مسابقات تافه ورياضات غير مفيده وكليبات ماجنه ليستمر مسلسل التدمير المتعمد لمصر البشر بعد أن باعو مصر الارض واستباحوا كل أرضها ،
لم يكن هناك بد من وضع مرآه امام وجوهنا لنعرف قبح أنفسنا ونعرف أن مصر الأن ليست مصر اللي فوق واللي تحت بل هي مصر اللي تحت وفقط هذا بالنسبة لجموع أبناء الوطن ، أما مصر اللي فوق والتي تضاءلت كثيرا لتحتضن قلة قليله لا أحسبهم من أبنائها بل هم لقطاء تجاسروا فأخذوا حضنها مكان أبنائها الشرعيين ، والسؤال الأن هل نستطيع أن نجعل مصر من تحت مثل ما هي من فوق ؟ ، هل نستطيع ان نعود لحضنها ؟ وكيف نقوم بهذا ؟

أشرف نبوي

ليست هناك تعليقات: