tadwina-18873864-tadwina

tadwina-18873864-tadwina

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 2 يوليو 2010

كوز السمنه وكوستبان القشطه

كوز السمنه وكوستبان القشطه
روي لي جدي يوما وهو يتكيء إلي جزع الجميزه ويمد يديه أمامه ليستدفيء بنار( المنقد ) المتقده أمامه بقوالح الذره الجافة التي تشتعل بسهوله ويستخدمها الكثيرين في ريف مصر للتدفئه وصنع الشاي الأسود المغلي ، وكان هذا قبل ثلاثون عاما أو يزيد يومها كان الجو ليلا وأصررت أن أصطحب جدي للحقل الذي لم يكن بعيدا عن منزله الريفي ، وقد كان سعيدا لأني فضلت إصطحابه عن دفء البيت وربما أعتبر هذا علامة علي الرجوله المبكره ، المهم ولفرط سعادته كان يشيد بي طوال الطريق ، ويحكي لي الحكاوي كي يسليني ويعظني وأستمر في حكايته العجيبه والغريبه حتي بعد أن ربط الثور إلي الساقيه وبدأ في نوبة ري الأرض وأشعل النار وأحضر الشاي والبراد المغطي بالسواد وجلس يعد الشاي وهو مستطردا في حديثه الشيق ، وكان مما رواه خلافا لحكايات النداهه التي لم يراها ولكنه سمع الكثير من أصدقائه عنها ، والمرده الذين يظهرون فجأه ويختفون فجأه ولا يخيفهم سوي آيات من الذكر الحكيم ، كانت روايته عن أيام صباه وشبابه ورهاناته هو ورفاق شبابه في مجال العدو والسباحه في ترعة البلده ومغامراته في حمل ثور وقع في إحدي سواقي البلده ، وكيف إنهم كانوا يشربون السمن البلدي بالكوز وهو الذي جعلهم أقوياء هكذا - حسب زعمه - وكان الواحد منهم يدير الساقيه إذا مرض الثور أو ذبح لأي سبب كان ،
كنت وقتها أستمع لجدي وأنا فاغر الفاه مشدوه بكل كلمه ومصدقا لكل حرف وأنا علي قناعة بأن جدي هو المرجع الرئيس لكل عائلتنا ولا يجوز للمرجع أن يخطي أو أن يبالغ وقد كنت أراه بالفعل وقد تخطي الستين يأكل البيض ونصف الطبق غارقا في السمن وهو يتلذذ ويشجعني أن أشاركه غمس اللقمه في السمن ، أما هبر اللحم الملبسه ( وهي المغطاه بطبقة سميكه من الدهون ) كما كان يسميها فقد كانت أكلته المفضله ، لكن للحق هذا الرجل لم يكن يركن للراحه فقد كان يبدأ يومه بعد الفجر مباشرة ويستمر يعمل بيديه قبل أن تنتشر الألات الزراعيه ولا يرتاح قبل الظهيره يلمم ذاته تحت شجره ويتناول غداء خفيفا وينام نصف ساعة ، يقوم بعدها نشيطا ليكمل عمله بعد أن تكون الشمس مالت قليلا وخف وطء حرها ، ولا يغادر حقله إلا مع أذان المغرب ، يغتسل ويصلي ثم يتناول عشاءة الدسم ويجلس أمام داره ساعه ثم يصلي العشاء ويخلد للنوم ، كان هذا حاله علي الدوام ، ولم أراه يذهب لطبيب إلا قبل موته بأيام ورغما عنه ،
أما في أيامنا تلك ورغم إختفاء السمنه البلدي من طعامنا فأنني أري الأمراض استوطنت الأجساد وعلي رأسها السمنه التي أصبحت مرضا يعاني من أثاره الكثيرين وبرامج التنحيف التي يطلق عليها ( ريجيم ) أصبحت موضة العصر ولا تجد بيتا يخلوا من مريض بالسمنه أو حريص علي التخلص منها وتستغل أكثر القنوات الفضائيه هذا الهوس بالتنحيف بطريقه بارعه وتحدد له الأرقام للاتصال لتستفيد من هذا الهوس وتخصص البرامج الكثيره والمتنوعه وتستضيف ماشاءت من الأطباء لتروي عطش الكثيرين لهذا النوع من البرامج وتشبع شغف النساء الحريصات علي تقليد قوام الفنانات ومحاكاة أشكالهن ،كالتي تحلم بأن تكون في قوام جوليا روبرتس أو حتي هيفاء او نانسي ، وكم سمعنا عن مأس كثيره حدثت نتيجه لأتباع نظم خاطئه في التخسيس وأمراض أستوطنت الجسد بسببها ، ناهيك عن الأخطاء المميته التي نتجت عن بعض عمليات الشفط والحقن التي باتت موضة هذا العصر وللأسف ينسي كثيرون أن الحاجه إلي الحركه وبذل الجهد مع تناول أطعمه معتدله السعرات أو حتي عاليه السعرات كما كان يفعل جدي لن يضرهم بل سيحسن من صحتهم شريطة بذل جهد مساو لما يتناولونه من سعرات ، لأن معدلات الحرق في الجسد تتناسب طرديا مع بذل الجهد ، والدليل علي ذلك أن الكثيرين والكثيرات ممن يعانون من أمراض السمنه يتناولون ليس السمنه البلدي بالكوز كما كان يفعل جدي بل أنهم يكتفون بكستبان قشطه يتناولونه مره علي الاكثر كلما سمح لهم نظامهم الغذائي بهذا ( الكستبان غطاء معدني يشبه الكوب بحجم عقلة الأصبع يستخدمه الخياطون حتي لا يشاكوا بالابره )
لكنهم وعلي الجانب الاخر لا يقومون باي مجهود ولا بعشر ما كان يقوم به جدي الذي مات وليس له ولو كرش صغير وبمناسبة الكرش أتذكر حكاية طريفه كان لي صديق خفيف الظل له كرش يتدلي أمامه ولكنه كان سعيدا به ومبعث سعادته إنه كان مقتنعا بأن العز والكرش قرينان فهو علامه علي الغني كما إنه كان يمازحنا دوما وهو يقول كيف يستطيع أحدكم ان يضبط ربط حزام بنطاله دون هذا الكرش ، صديقي هذا رحمة الله مات بأزمه قلبيه في منتصف العقد الثالث وهو لم يكمل الثلاثين ،
أعود لما كنت قد بدأته فالأجهزه المنزليه بدأ من الخلاط وإنتهاء بالغسالة الفول أتوماتيك ومرورا بكل ما يريح من أدوات الطبخ والتنظيف أصبحت في كل بيت ،(والهوم دلفري) حتي للخضار واللحوم والفواكه أقعدت ربة المنزل حتي المراوح والاجهزه الالكترونيه أصبحت تدار بكبسة زر عن بعد عن طريق ( الريموت كونترول) جهاز التحكم عن بعد الذي بات رفيق الجميع خاصة الرجال بعد أجهزة الحاسوب التي أنتشرت في جميع المكاتب والتخاطب عن طريق الأميل داخل المكتب الواحد وعدم مغادرة الكرسي إلا ساعة إنتهاء العمل فباتت أجهزة التحكم عن بعد تتحكم بنا وبكل شيء ، فزادات الامراض ومعدلات السمنه وفشلت كل الانظمه الغذائيه معنا ونحن جميعا مصرون علي صم أذاننا وإتباع النصائح الجوفاء ونحن مغمضي العينين فلا حركه ولا رياضه لأننا أقنعنا أنفسنا بأنه لايوجد وقت - رغم وجود الوقت للتلفاز وللنوم وللقهوه والتسوق أحيانا ،
وفي رأي الشخصي إنه إنتحار بطيء نخطط له بعنايه ونحن نمنع أنفسنا من نعم الله التي خلقها لنا وفي نفس الوقت تسوء صحتنا وتصيبنا السمنه لا لشيء إلا لأننا تعودنا الكسل وأرتضينا الخمول ، ولن أضيف جديدا إذا قلت أننا بحاجه كل يوم للمشي فقط المشي لمده ساعه ويا حبذا لو أستغللنا تلك الساعه في ذكر الله أو التأمل والتفكير ، أو أستخدمناها في عيادة أحد المرضى ، أو صلة أرحامنا ممن باتت المسافات تبعدنا عنهم كل يوم أكثر فأكثر ، وليس هذا صعبا إذا وضعنا خطه محدده المعالم وقمنا يوميا بعمل أحد تلك الأشياء وكانت نيتنا خالصة لله ، وقتها لن تكون الفائده جسديه وحسب بل وروحانيه ستشعرنا بالرضي عن أنفسنا والهدوء والسكينة الداخليه التي تعود بأكبر نفع علي صحتنا بصفه عامه ، تلك السكينة التي كان يستشعرها جدي وهو راضي عن ذاته قانع بعمله ومجتهد في أداء واجبه دون تبرم أو غضب مع حرصه الدائم علي صلة الرحم ومواظبته علي أداء فروضه التي لم يمنعه يوما التعب أو الأرهاق من أدائها ، فنعم بسلام داخلي حفظ له صحته ولم يصب بتصلب الشرايين رغم عادته الصحيه التي تعتبر سيئه بمقاييسنا الأن ، والتي في يقيني أنه لو فكر أحدنا في القيام بما كان يقوم به جدي من شرب كوز سمنه لأنتقل علي الفور الي عالم أخر ،حتي قبل أن يكمل ،
أشرف نبوي

ليست هناك تعليقات: