بركة البلطجه !!!
لم أكن أعرف إن للبلطجه بركه إلا مؤخرا وتحديدا عندما وجدت نفسي مضطرا لأصطحاب شنطة سفر لقريب لي عند عودتي من الغاليه مصر وكانت زياده عن الوزن المقرر والذي أحرص دوما علي أن يكون مطابقا لما هو وارد بتذكرة الطائره ، ولكن صديقي الذي حملني الشنطه وعد بأن يرسل لي شخصا يمرر هذا الوزن بل إنه طلب مني أن أخذ معي ما أريد فهو سوف يتصرف لكني وللصدق لم أستمع إليه وأصطحبت وزني كما أنا متعود بالضبط وأخذت حقيبته وذهبت إلي هناك وحين نظر الرجل القابع بنظارته السميكه - خلف كاونتر الوزن - إلي شنطي الثلاث نظره شامته وتناول الآله الحاسبه التي أمامه وأخذ يحسب ويضرب ويجمع ثم نظر لي من فوق النظارة التي كانت أنحدرت علي أنفه الكبير وقال بإبتسامه صفراء تعلوا سحنته الشامته ثمانمائه وخمسون جنيه وزن زائد ، فأبتسمت وأنا أقول له لا أعتقد أن ما في الشنطه يستحق كل هذا المبلغ ، لم يرد وأنتظر أن أجيبه ، وهو يشير للحمال الذي كان يقف علي بعد خطوات أن يقترب ، همس في أذنه ثم وجدت الحمال يقترب مني هامسا : تدفع خمسميه وتخلص ، لم أستوعب ففهم الرجل خلف الكاونتر تعبيرات وجهي فأشار للحمال أن ينزل شنطي ويرجعني في أخر الصف حتي أعيد التفكير،
تناولت هاتفي وأتصلت بصديقي الذي اعطاني الشنطه أستشيره ، فرد مؤكدا علي حضور أحد الموظفين لانهاء الموضوع ، وفعلا بعد عدة دقائق مرت ثقيله وجدت شاب يقترب ويأخذ جواز سفري ويتجه للكاونتر من جديد ، لكن الرجل الهادئ خلف الكاونتر تحول لوحش هائج بمجرد أن رأي جواز سفري من جديد مع هذا الشاب وأخذ يقسم بكل أيمانات الله بأنه لن يرضخ لأحد ولن تمر الشنط التي معي ، وبعد أن هدأ همس للشاب في أذنه وعاد الشاب يقول ممكن نعدي شنطيتن بس ثلاثه لا قلت له أنا وزني من خلال الشنطتين عادي وليس به زياده ، شعر بالحرج فتركني وهو يعد بأن يحضر مساعده،
أتصلت بصديقي مرة ثانيه فوعد أن يحضر أخر ومضت عشر دقائق وجدت بعدها شخص كبير في السن عرفت فيما بعد إنه كبير الحمالين أتجه نحوي وأخذ الجواز وذهب لكونتر أخر وهو يبتسم ويوزع تحياته للجميع لكن الموظف الأول ترك مكانه وذهب متوعدا ومهددا لزميلاته في الكونتر الأخر وعبثا حاول الرجل العجوز كبير الحمالين ملاطفته أو تهدئته حتي لم يجد أمامه إلا الأستعانه بضابط شرطه كان يعرفه جيدا ، قام بأحضاره إلي الموظف الذي كان قد بدأ يظهر نوياه قبل مجيء الضابط وهو يقول مش عايز تدفع المبلغ قلنا و ماله بس كمان مش عايز حتي تدفع قهوتنا ده كتير ، كنت قد بدأت أفقد هدوئي وأقترب الحمال الأول ثانيا وهو يقول : خليهم 300 جنيه وخلص ، فنظرت إليه غاضبا وقبل أن أجيب كان الضابط قد حضر فتشاغل الموظف عنه وهو يحاول أن يتملص من طلبه لاحظ الضابط هذا فطلب منه أن يلحقه علي مكتبه
بعد دقائق اتي الموظف وقد شعرت بأنه أرغم علي تمرير الشنطه فأخذ يخلف بكل ما عرف من أيمان بأنها ستكون المره الاخيره ولن يعدي أي شيء بعد ذلك ، وقد ذكرني حينها بمقولة القصري في فيلمه الجميل مع اسماعيل ياسين ( هتنزل المره دي بس أعملي حسابك المره الجايه لا يمكن تنزل أبدا) ومرت الشنط بهدوء ، وأمسك كبير الحمالين بجواز سفري في يده ولم يتركه وذهب معي إلي كاونتر الجوزات ودخل معي وهو يشير إلي بالجواز ويكرر كل سنه وأنت طيب ، فمددت يدي في جيبي وأخرجت مائة جنيه أعطيتها له ، فنظر إلي الحمال وأشار إلي فممدت يدي وأخرجت خمسون جنيها ولسان حالي يقول حتي أنت ايها الرجل الطيب الذي ظننت إنه أتي لنجدتي،
الشاهد أننا أمام حالة من حالات البلطجه سواء من صديقي الذي أرسل معي الشنطه أو مني أنا الذي وافقت أو من موظف يطلب الرشوه عنوه ، أو حتي الحمال الصغير وهذا الضابط الذي خالف القانون مجاملة للحمال الذي قد يكون صديق والده ، وإنتهاء بهذا الرجل الكبير الذي أستغل كبر سنه في محاوله تمرير الخطأ وليس هذا من قبيل المساعده بل في سبيل المال الذي يعرف إنه لا يستحقه وإنه رشوة وإنه حرام ،
وهذه صوره واقعيه تحدث ويحدث مثلها الكثير والكثير يوميا لكن ما أفزعني أن كافة الاجيال تساهم فيها بلا خجل وبلا رادع ديني أو وازع من ضمير، بلطجه علنيه مقننه من قبل الجميع ومقبول بها أنا أمارسها بغير حق وأغضب لأني لم أخذ ما ليس لي بحق ويمارسها الموظف بحرفيه ووعي ولمصلحته الخاصه ، ويمارسها الضابط بقوة القانون والحمال بأستدرار العطف والشفقه والصلات ، حالة عامة تشرب بها الجميع وعجزنا جميعا عن تفادي خطرها في مسأله بدت بسيطه لكنها تعبر علي بساطتها عن ما أل إليه حال الأمه من تسطيح كل شيء وإستسهال كل مشكله وتغيير المعايير التي تقاس عليها التصرفات من حيث خطئها وصحتها فالخطأ إذا قمنا به نحن لا يعتبر خطأ والصح إذا قام به غيرنا فهو خطأ ،
معادله مقلوبه أحزنتني رغم إنني مررت وأوصلت الشنطه لابن صديقي لكن مسألة البلطجه هذه أتعبتني وجعلتني أعيد ربط أحداث كثيره مررت بي وأنا في مصر المحروسه هناك بلطجه فكريه تمارس من قبل بعض رؤساء تحرير الصحف بفرض قناعتهم علي القارئ وغسيل أدمغة الشباب بأكاذيب مفضوحه بل وتزين كل باطل طالما إن الحكومه أو الرئيس أو أحد المقربين منه هو من قام به ، وهناك بلطجه إعلاميه تتمثل في البرامج الموجهه والمسيئه لبعض الشخصيات الرائعه وهناك بلطجه من نوع أخر أستحدثه هواة الظهور الإعلامي والفرقعه وحب الذات ، بلطجه القذف والسباب علي الهواء ، وهذه بلطجه تسببت في إيذائنا جميعا بما سمعناه من الفاظ وعبارات خادشه للحياء ، ونزولا إلي بلطجه حراس العمارات وإستيلائهم علي المواقف وبيعها لحسابهم أو تأجيرها كما يحلوا لهم ، ومرورا بهذا النموزج في المطار الذي سبق وذكرته ، وحين تناقش أي واحد ممن يمارسون هذه البلطجه فأنه لا يعترف بأن هذه الممارسات ليست من حقه وأنها البلطجه في أوضح صورها بل يحاول أن يذكر لك الفائده التي تعود من وراء فرض تلك التصرفات ويحاول أن يقنعك في النهاية أن هذه التصرفات رغم ما تراه فيها من قبح إنما هي نعمه وتحقق له الكثير فهي بركه وتري نفسك في النهاية أمام معضلة ألا وهي : كيف أن لسلوك قمئ مثل البلطجه بركات ؟
أشرف نبوي
لم أكن أعرف إن للبلطجه بركه إلا مؤخرا وتحديدا عندما وجدت نفسي مضطرا لأصطحاب شنطة سفر لقريب لي عند عودتي من الغاليه مصر وكانت زياده عن الوزن المقرر والذي أحرص دوما علي أن يكون مطابقا لما هو وارد بتذكرة الطائره ، ولكن صديقي الذي حملني الشنطه وعد بأن يرسل لي شخصا يمرر هذا الوزن بل إنه طلب مني أن أخذ معي ما أريد فهو سوف يتصرف لكني وللصدق لم أستمع إليه وأصطحبت وزني كما أنا متعود بالضبط وأخذت حقيبته وذهبت إلي هناك وحين نظر الرجل القابع بنظارته السميكه - خلف كاونتر الوزن - إلي شنطي الثلاث نظره شامته وتناول الآله الحاسبه التي أمامه وأخذ يحسب ويضرب ويجمع ثم نظر لي من فوق النظارة التي كانت أنحدرت علي أنفه الكبير وقال بإبتسامه صفراء تعلوا سحنته الشامته ثمانمائه وخمسون جنيه وزن زائد ، فأبتسمت وأنا أقول له لا أعتقد أن ما في الشنطه يستحق كل هذا المبلغ ، لم يرد وأنتظر أن أجيبه ، وهو يشير للحمال الذي كان يقف علي بعد خطوات أن يقترب ، همس في أذنه ثم وجدت الحمال يقترب مني هامسا : تدفع خمسميه وتخلص ، لم أستوعب ففهم الرجل خلف الكاونتر تعبيرات وجهي فأشار للحمال أن ينزل شنطي ويرجعني في أخر الصف حتي أعيد التفكير،
تناولت هاتفي وأتصلت بصديقي الذي اعطاني الشنطه أستشيره ، فرد مؤكدا علي حضور أحد الموظفين لانهاء الموضوع ، وفعلا بعد عدة دقائق مرت ثقيله وجدت شاب يقترب ويأخذ جواز سفري ويتجه للكاونتر من جديد ، لكن الرجل الهادئ خلف الكاونتر تحول لوحش هائج بمجرد أن رأي جواز سفري من جديد مع هذا الشاب وأخذ يقسم بكل أيمانات الله بأنه لن يرضخ لأحد ولن تمر الشنط التي معي ، وبعد أن هدأ همس للشاب في أذنه وعاد الشاب يقول ممكن نعدي شنطيتن بس ثلاثه لا قلت له أنا وزني من خلال الشنطتين عادي وليس به زياده ، شعر بالحرج فتركني وهو يعد بأن يحضر مساعده،
أتصلت بصديقي مرة ثانيه فوعد أن يحضر أخر ومضت عشر دقائق وجدت بعدها شخص كبير في السن عرفت فيما بعد إنه كبير الحمالين أتجه نحوي وأخذ الجواز وذهب لكونتر أخر وهو يبتسم ويوزع تحياته للجميع لكن الموظف الأول ترك مكانه وذهب متوعدا ومهددا لزميلاته في الكونتر الأخر وعبثا حاول الرجل العجوز كبير الحمالين ملاطفته أو تهدئته حتي لم يجد أمامه إلا الأستعانه بضابط شرطه كان يعرفه جيدا ، قام بأحضاره إلي الموظف الذي كان قد بدأ يظهر نوياه قبل مجيء الضابط وهو يقول مش عايز تدفع المبلغ قلنا و ماله بس كمان مش عايز حتي تدفع قهوتنا ده كتير ، كنت قد بدأت أفقد هدوئي وأقترب الحمال الأول ثانيا وهو يقول : خليهم 300 جنيه وخلص ، فنظرت إليه غاضبا وقبل أن أجيب كان الضابط قد حضر فتشاغل الموظف عنه وهو يحاول أن يتملص من طلبه لاحظ الضابط هذا فطلب منه أن يلحقه علي مكتبه
بعد دقائق اتي الموظف وقد شعرت بأنه أرغم علي تمرير الشنطه فأخذ يخلف بكل ما عرف من أيمان بأنها ستكون المره الاخيره ولن يعدي أي شيء بعد ذلك ، وقد ذكرني حينها بمقولة القصري في فيلمه الجميل مع اسماعيل ياسين ( هتنزل المره دي بس أعملي حسابك المره الجايه لا يمكن تنزل أبدا) ومرت الشنط بهدوء ، وأمسك كبير الحمالين بجواز سفري في يده ولم يتركه وذهب معي إلي كاونتر الجوزات ودخل معي وهو يشير إلي بالجواز ويكرر كل سنه وأنت طيب ، فمددت يدي في جيبي وأخرجت مائة جنيه أعطيتها له ، فنظر إلي الحمال وأشار إلي فممدت يدي وأخرجت خمسون جنيها ولسان حالي يقول حتي أنت ايها الرجل الطيب الذي ظننت إنه أتي لنجدتي،
الشاهد أننا أمام حالة من حالات البلطجه سواء من صديقي الذي أرسل معي الشنطه أو مني أنا الذي وافقت أو من موظف يطلب الرشوه عنوه ، أو حتي الحمال الصغير وهذا الضابط الذي خالف القانون مجاملة للحمال الذي قد يكون صديق والده ، وإنتهاء بهذا الرجل الكبير الذي أستغل كبر سنه في محاوله تمرير الخطأ وليس هذا من قبيل المساعده بل في سبيل المال الذي يعرف إنه لا يستحقه وإنه رشوة وإنه حرام ،
وهذه صوره واقعيه تحدث ويحدث مثلها الكثير والكثير يوميا لكن ما أفزعني أن كافة الاجيال تساهم فيها بلا خجل وبلا رادع ديني أو وازع من ضمير، بلطجه علنيه مقننه من قبل الجميع ومقبول بها أنا أمارسها بغير حق وأغضب لأني لم أخذ ما ليس لي بحق ويمارسها الموظف بحرفيه ووعي ولمصلحته الخاصه ، ويمارسها الضابط بقوة القانون والحمال بأستدرار العطف والشفقه والصلات ، حالة عامة تشرب بها الجميع وعجزنا جميعا عن تفادي خطرها في مسأله بدت بسيطه لكنها تعبر علي بساطتها عن ما أل إليه حال الأمه من تسطيح كل شيء وإستسهال كل مشكله وتغيير المعايير التي تقاس عليها التصرفات من حيث خطئها وصحتها فالخطأ إذا قمنا به نحن لا يعتبر خطأ والصح إذا قام به غيرنا فهو خطأ ،
معادله مقلوبه أحزنتني رغم إنني مررت وأوصلت الشنطه لابن صديقي لكن مسألة البلطجه هذه أتعبتني وجعلتني أعيد ربط أحداث كثيره مررت بي وأنا في مصر المحروسه هناك بلطجه فكريه تمارس من قبل بعض رؤساء تحرير الصحف بفرض قناعتهم علي القارئ وغسيل أدمغة الشباب بأكاذيب مفضوحه بل وتزين كل باطل طالما إن الحكومه أو الرئيس أو أحد المقربين منه هو من قام به ، وهناك بلطجه إعلاميه تتمثل في البرامج الموجهه والمسيئه لبعض الشخصيات الرائعه وهناك بلطجه من نوع أخر أستحدثه هواة الظهور الإعلامي والفرقعه وحب الذات ، بلطجه القذف والسباب علي الهواء ، وهذه بلطجه تسببت في إيذائنا جميعا بما سمعناه من الفاظ وعبارات خادشه للحياء ، ونزولا إلي بلطجه حراس العمارات وإستيلائهم علي المواقف وبيعها لحسابهم أو تأجيرها كما يحلوا لهم ، ومرورا بهذا النموزج في المطار الذي سبق وذكرته ، وحين تناقش أي واحد ممن يمارسون هذه البلطجه فأنه لا يعترف بأن هذه الممارسات ليست من حقه وأنها البلطجه في أوضح صورها بل يحاول أن يذكر لك الفائده التي تعود من وراء فرض تلك التصرفات ويحاول أن يقنعك في النهاية أن هذه التصرفات رغم ما تراه فيها من قبح إنما هي نعمه وتحقق له الكثير فهي بركه وتري نفسك في النهاية أمام معضلة ألا وهي : كيف أن لسلوك قمئ مثل البلطجه بركات ؟
أشرف نبوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق